من عمق السكينة المكتظة بضوضاء مدعي القضية (الضمير) ووسط قوانين المنتخبين لإفراغ خزائن العراق التي عبّرتْ عن اضطرابهم وأعطتْ شكلاً مائزاً للفوضى التي يتلذذ من يسعى اليها , ويهرب منها القَلِقُ، ولم تجد القلوب المطمئنة بذكر الله إلا انتظار الفرج. بعدما تسللت ريح نتنة حملت نئيجاً مزعجاً جذبتها عفونة الغدر التي طفحت دون خشية الله، فأغرقتْ الوطن في كدرٍ ضيقَ صدره فبهتَ لونه وترهلتْ مفاصله فاحدودب ظهر شارعه بحاثاً عن خطوات اهله وسط زوبعة الغبار التي اثارتها حوافر اجسادٍ غربية وطأته، اعاقت نسماته. فصعب على برق نهاراته الذي يومض بين الفينة والأخرى ان يجلي عن وجه بقاياه غبار الدمار وتعذرَ على قتمِ لياليه اخفاء لون الانكسار فرائحة الانهيار أحضرت الحياة .
وبعد ان اصبح الخير إلماعة خاطفة لدى النفوس المحتارة بين خيرٍ عُدَّ أملاً صعب المنال وشرٍ واقعٍ , بكر رسول الفرح حاملاً نداء العراق المتوضئ في كوثر الاباء المصلي في محراب الكرامة فسكبه قرآن فجرٍ في الاسماع , وبينما ابتلعت الحسرات مَنْ اصطلحت قلوبهم مع الدنيا, أهتز جذع العمر دون ترددٍ فجاد بما حوى شيم الوقار ونخوة الفتيان . . . انهم رجال استوعبوا الكمالات من رئة الاباء يبزغ نور الايمان من جباههم، لم تزغ نظراتهم لفحشٍ يمثلون الفضائل بجلالها
انتدبوا انفسهم امتثالاً لأمر مرجعهم العراق لا حباً لرئاسة، بل قاصدين وجه الله، فاندفعوا حزماً كخيوط الفجر يبددون الظلام أينما حلّوا، هم الكثرة الكاثرة تضيق بهم المساحات فيفتحون افاقاً لحاضر انسانٍ يعيش وضعاً يفوق الوصف في قسوته ويطوقون مدننا الجريحة كعاشقٍ طوقَ معصم حبيبته فيجتلبون السرور للنفوس الطيبة وينسجون الانتصارات قبل اليأس لتستمر الحياة ... فطهرت أرضٌ وطأتها اقدامهم . هؤلاء الابطال ابناء العراق الشرفاء لمس الرائون بطولاتهم وتوكأت الجهات على اسماعها تصغي لصدى انتصاراتهم وهم يسجلون صباحات مضيئة نادرة في تاريخ العراق فتتغنى الاجيال بمآثرهم وليغترف الاحرار من نمير عزمهم. لعالمهم نكهة الحق وطعم الاخرة فتوسمتْ بالجرح ارواحٌ سمتْ نحو السماء ترجو الحياة لكن بجرحٍ ثانٍ حتى سُعدتْ بالشهادة نفوسهم . هكذا تتحدث الدماء بل هي أفصح الدماء:
- شيخٌ وقورٌ فخورٌ بشيبته كنزه فاقة تقصها أخاديد وجهه العميقة التي غضنها الدهر. هبَّ وقامته تتحدى ما مضى من سني عمره , وقدماه تهدأ اليابسة التي تكسرتْ تحتها فدُهشَ العالم لخفة حركته وفتوة عزيمته.
- فتى ساعات عمره سبقتْ طموحاته فتحولت لرغبة في الخلود . ودع أمه تاركاً ذاكرتها تنزف تفاصيله من قبل أن تطأ كفاه الأرض حتى رحلته الاخيرة فتلذذت وسادتها بدموع اشتياقها لرؤيته رغم علمها بسعادته.
- عريسٌ رسمَ قبلةً على جبين عروسته ليزيل حشرجة الوداع في حنجرتها التي غيرت رنيم صوتها العذب تاركاً عبق الشهادة تتنفسه خلفه. - طالبُ علمٍ ودع مقعد الدراسة الذي طالما حني ظهره سنيناً عليه وامضى أمتع اوقاته مع مصدر اشعاع فكره الذي عاش في ثناياه ففتح له عقله وقلبه حتى نمتْ معلوماته واتسعت ثقافته فرأى ان الموت الذي لابد منه يدفع عجلة الحياة فكانت شهادته ولادة حياة.
- وفلاحٌ صدى صوته بنكهة القمح يسابق خطواته مردداً لاتلمسوا الزرع انه وطني. هبَّ بعد ان زرع قبلاته في شفاه سنابله فذرفت الدمع حزنا لتصنع خبزاً يُطعمُ شعبا.
-ورجلٌ لا يملك غير ألم العاطلين عن العمل الذين تحزنهم اشراقات الشمس فهي لاتضيء صباحاتهم بل تكشف معاناتهم فتؤلمهم الشفقة بعيون الاخرين التي تزيدهم جراحا . فأبى إلا ان يذود بدمه دفاعاً عن وطنه فودع عياله ملبياً النداء شاكياً الى الله ظلم المسؤول وداعش
. سلامٌ لكم من اعماقنا يا مَنْ رغبتم بثواب اخرةٍ عند الله فأعرضتم عن دنيا لا أجر فيها غير طيب ذكرٍ
سلامٌ على أرواحكم الطاهرة ايها المسافرون الى جنان الله ... هنيئاً لكم ادخلوها بغير حساب .
10/مارس /2016
علي أبو الهيل سعودي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق